أملوا حلاً يزيل الإبهام حول مقام الرئاسة الأولى
"المطارنة الموارنة": أمر مخجل رسو الشبهة على متهمين كانوا يتولون السهر على الأمن
المستقبل - الخميس 8 أيلول 2005 - العدد 2033 - شؤون لبنانية - صفحة 3
بكركي ـ "المستقبل"
اعتبر مجلس المطارنة الموارنة في ندائه السادس ان "المعلومات التي ارست الشبهة (في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري) على بعض المتهمين ممن كانوا يتولون السهر على امن المواطن، لهو حقا امر مخجل ومخز في وقت معا، ما جعل مقام الرئاسة الاولى عرضة لانتقادات كثيرة تطال ما يجب ان يكون لها من هالة احترام ووقار"، آملا ان "يلقى هذا الأمر الحل المنشود الذي يزيل كل ابهام". ودعا الدولة الى حزم امرها، والحكومة الى تأكيد "تضامن اعضائها لتتمكن من اشاعة روح الطمأنينة في نفوس المواطنين الذين يعيشون في حال من البلبلة بانتظار نتائج التجقيق وبسبب عجز الدولة عن اكتشاف أي فاعل للتفجيرات التي تتوالى، وتودي بحياة بعض من أهل السياسة والفكر، وتنشر الذعر في كل مكان". وتطرق المجلس الى سلاح "حزب الله" من دون ان يسميه بالاسم، مشددا على وجوب "حل هذه القضية عبر حوار داخلي صادق صريح، بحيث لا يخرج لبنان على الشرعية الدولية، ولا يهمل، في وقت معا، ما له حق فيه من الدفاع عن أراضيه بما يتيسر له من وسائل". واكد المجلس على العلاقات التاريخية "المتشابكة" بين لبنان وسوريا والتي "لا يمكن تجاهلها"، لكنه اعرب عن قلقه حيال "مواصلة أجهزة الاستخبارات السورية وغير السورية عملها على الأراضي اللبنانية بطريقة غير منظورة، ومتابعة زرع العبوات الناسفة هنا وهناك، مستهدفة الاخلال بالأمن، وما رافق ذلك من اغتيالات، ومحاولات اغتيال مما يخل بالأمن العام". واستعرض المجلس في ندائه الذي أصدره بعد اجتماعه الدوري في بكركي امس برئاسة البطريرك الماروني نصر الله بطرس صفير، ماجرى من "متغيرات وأحداث جسام ، منذ أيلول من السنة الفائتة حتى أيلول هذه السنة"، وعدد من هذه المتغيرات ما يلي: 1 ـ انسحاب الجيش السوري من لبنان: في السادس والعشرين من نيسان من هذه السنة، تحقق حلم راود مخيلة معظم اللبنانيين منذ ما يقارب الثلاثين سنة، فجلا الجيش السوري عن الأراضي اللبنانية، بعد التظاهرة الضخمة التي جرت في الرابع عشر من آذار الفائت، ومشى فيها جنبا الى جنب مسيحيون ومسلمون أتوا من مختلف المناطق اللبنانية ليجتمعوا في ساحة الشهداء، وما حولها من ساحات في العاصمة اللبنانية، ليطالبوا بجلاء الجيش السوري، الذي دعا إليه أعضاء مجلس الأمن الدولي، خصوصا فرنسا والولايات المتحدة. وهذا أمر من شأنه أن يشعر اللبنانيين بأنهم أسياد أمرهم، أحرار في تدبير شؤونهم، مخيرون غير مسيرين في اتخاذ قراراتهم، لاسيما في ما يتعلق بانتخاب من يريدون أن يمثلهم تحت قبة الندوة اللبنانية، بحسب النظام الديموقراطي، ومن سيكون رئيسا لجمهوريتهم، ومن سيتولى تسيير أمورهم اليومية وغيراليومية من أهل الحكم في لبنان، ومن سيمثل من بينهم أمام القضاء، ومن تجب ملاحقته، من دون تركيب ملفات. وهذه نظرة ايجابية نشكر الله على توافرها. 2 ـ العلاقة بين لبنان وسوريا: غير أن للبنان مع سوريا علاقات تاريخية متشابكة، لا يمكن تجاهلها، وهي تقضي بالمحافظة عليها عن طريق اقامة تعامل بين دولتين على قدم المساواة، على مثل ما هو قائم بين أي دولتين سيدتين مستقلتين، بعيدا عن أي تعال واستكبار، أو استكانة واذلال، ومن دون اقفال الحدود كلما حدث حادث يعكر صفو هذه العلاقات. ومعلوم ان الخسارة تقع، كلما حدث ذلك، على كلا البلدين، وليس على النظامين المختلفين في كليهما، وتنعكس عواقبه الوخيمة على كلا الشعبين، فتحل بينهما مشاعر الكراهية بدل مشاعر الود والتعاطف. وهنا يكمن وجه الخطر. 3 ـ عودة من المنفى وخروج من السجن: وهناك ايجابية أخرى وهي عودة العماد ميشال عون من المنفى في باريس، بعد 15 سنة من النفي، واطلاق سراح الدكتور سمير جعجع، بعد أن قضى في السجن احدى عشرة سنة. وعاد العماد عون ليرأس تياره المعروف، وخاض معركة الانتخابات، وأصبح لتياره وجود في الحياة السياسية اللبنانية عبر من فاز من مرشحيه لمقاعد نيابية. وعاد الدكتور جعجع ليستأنف تدبير شؤون محازبيه، من القوات اللبنانية، وقد أصبح له أيضا وجود في الحياة السياسية عبر وزير ونواب ينتمون اليه. 4 ـ الانتخابات النيابية: أجريت الانتخابات النيابية في وقتها المشروع، إنما في ظل قانون شكا كثير من المواطنين ما فيه من عيوب لا حاجة الى التذكير بها هنا، وقد أصبحت معروفة، بعد أن ظهرت في انتخابات سنة الألفين وتكررت هذه السنة. وعلى الرغم من احتجاجات العديد من أهل الخبرة بالشؤون الانتخابية، طوال أكثر من أربع سنوات، لم يكلف المسؤولون نفوسهم صياغة قانون يشيع الرضى في نفوس المواطنين، ويفسح لهم في المجال للتعبير عن قناعاتهم في اختيار ممثليهم، هذا فضلا عما يردده من خاضوا غمار هذه الانتخابات من مآخذ، منها: اجراء هذه الانتخابات على أربع دورات بحيث تمكن الفريق الخاسر من تحسين أوضاعه في الدورات اللاحقة، والرشوة بطريقة علنية، وبأشكال مختلفة، من بينها توزيع المساعدات الانسانية لغايات معروفة، واعتماد وسائل الاعلام لأغراض الدعاية بحيث لم يكن هناك تكافؤ فرص بين المرشحين، الى ما سوى ذلك من ثغرات كان لها تأثيرها على نتيجة الانتخابات التي سقط بموجبها عدد من فرسان المجلس، ونجح نحو ستين نائبا ينتخبون لأول مرة. 5 ـ أحداث تدعو الى القلق: غير ان هناك أحداثا تدعو الى القلق منها: مواصلة أجهزة الاستخبارات السورية وغير السورية عملها على الأراضي اللبنانية بطريقة غير منظورة، ومتابعة زرع العبوات الناسفة هنا وهناك، مستهدفة الاخلال بالأمن، على وجه الاجمال، في المناطق المسيحية، وما رافق ذلك من اغتيالات، ومحاولات اغتيال مما يخل بالأمن العام، ويشيع القلق في نفوس اللبنانيين. وهذا ما أفسد موسم الاصطياف، بعد أن ألغى العديد من رواد الربوع اللبنانية، أبان الصيف، حجوزاتهم لاضطراب حبل الأمن في لبنان، فضلا عن اشاعة جو الخوف لدى العديد من رجال السياسة اللبنانيين المهددين بمحاولة الاغتيال. وكان أشد هذه الاغتيالات وقعا في نفوس اللبنانيين، وأدعاها الى الأسى، اغتيال المرحوم الشهيد رفيق الحريري، رئيس الحكومة اللبنانية، ورفاقه. 6 ـ القرار 1559: كان للقرار الذي اتخذه مجلس الأمن، والقاضي بانسحاب الجيش السوري من لبنان، ونزع السلاح من أيدي جميع اللبنانيين والمقيمين على الأراضي اللبنانية، وارسال الجيش اللبناني الى الحدود اللبنانية الاسرائيلية، وقع مربك على جميع اللبنانيين. فمن جهة، انهم مدينون للمقاومة باخراج الجيش الاسرائيلي من جنوب لبنان، بعد أن احتله طوال ما فوق العشرين سنة، ومن جهة ثانية لا يمكنهم الا أن يعترفوا بما نص عليه الدستور اللبناني، شأن جميع الدساتير في كل بلدان العالم، وهو أنه لا يستوي أمامه أعزل ومسلح، وأن المواطنين سواسية أمام القانون. وعلاوة على ذلك، ان جمع فئة من اللبنانيين بين الاشتراك في السلطة الرسمية عبر من لها من نواب ووزراء، وحملها السلاح خارج القوى الرسمية المسلحة، أمران يتناقضان، ولا يجتمعان، ولا يأتلفان. لذلك يجب حل هذه القضية عبر حوار داخلي صادق صريح، بحيث لا يخرج لبنان على الشرعية الدولية، ولا يهمل، في وقت معا، ما له حق فيه من الدفاع عن أراضيه بما يتيسر له من وسائل. 7 ـ القرار 1614: وهذا القرار أيضا يقضي بارسال الجيش اللبناني الى الحدود الجنوبية، اسوة بجيوش كل الدول التي ترابط على حدود بلدانها لتدافع عنها، وتمنع كل تعديات قد تقع عليها. أما في ما خص لبنان، فهو لا يرسل جيشه الى حدوده الجنوبية، بحجة أنه لا يريد أن يحمي حدود العدو الاسرائيلي، ولا أن يتعرض لهجوم يقوم به هذا العدو. وهذا أيضا يشكل ارباكا يقتضي التصدي له، وحله بالطرق المؤاتية. وعلاوة على ذلك يجب إظهار حدود لبنان الدولية على يد الأمم المتحدة إظهارا لا يترك مجالا لأي إبهام أو نزاع. 8 الفساد في الادارة: بعض الموظفين يعملون كل على هواه، وكأن لا تفتيش، ولا رقيب. فيتقاضون من الرشوة والخوات ما يريدون لقاء انجاز أية معاملة، وليس من يسأل. والموظفون يجب أن يكونوا في خدمة المواطنين، ولا يصح العكس. وتتعالى الشكاوى من المستشفيات والمدارس المجانية وغيرها التي تتراكم عليها الديون المتوجبة على الدولة، ومن أصحاب الاملاك المستملكة دون أن يقبضوا البدل من الدولة العاجزة، وليس من يسمع. فضلا عن الأشغال العامة التي يكلف الدولة ما تنجزه من أشغال أضعاف ما تستحق، بسبب رغبة بعض النافذين وأزلامهم في الافادة من مال الدولة دون وجه حق. 9 ـ هدر أموال الدولة: هناك ما فوق الأربعين مليار دولار من الديون ترزح الدولة تحت ثقلها. وعلى الرغم من ذلك، نرى موظفين يتقاضون أجورا ولا يأتون عملا، في كل الدوائر الحكومية المحشوة بالأزلام والمحاسيب. وما من مرفق حكومي الا يشكو الخسارة خصوصا الكهرباء، والضمان الاجتماعي، والمدارس الرسمية، وما سواها من أمثالها. فضلا عن اطلاق مشاريع كمالية لا حاجة ملحة للدولة اليها، ويمكن تأجيلها، وهي ذات أكلاف باهظة. 10 ـ القضاء: كانت الشكوى عارمة من القضاء اللبناني. وقد أفضى الينا أحد كبارالمحامين المعروفين، انه أصبح يشعر بأن وضع القضاة قد تحسن، بحيث قد انزاح عنهم كابوس مداخلات أهل السلطة من لبنانيين وغير اللبنانيين، وهي مداخلات ترافقها تهديدات كانوا يخضعون لها مرغمين، وكانت تنذرهم بأنهم ان لم يعملوا بارادة المتدخل حل عليهم الغضب الذي قد يذهب الى حد تعيين مقر عملهم في منطقة نائية، واقصائهم الى مكان بعيد، ان لم يكن الى حد تجريدهم من وظيفتهم. 11 ـ النزف المستمر: انتفاء فرص العمل لا تزال تدفع الشباب اللبناني الى الهجرة البعيدة والقريبة، وهذه الهجرة لها مردود سيء على البلد، فهي من جهة تحرمه زهرة شبابه، وما لهم من طاقات خلاقة، تساعد على إعماره وتطويره، ومن جهة ثانية، لا بد من أن يكون لهذه الهجرة مفاعيلها الاجتماعية السيئة، خصوصا على العائلة اللبنانية، لما تحدثه من خلل بين أعداد الشبان المتناقصة، واعداد البنات المتكاثرة على أرض الوطن. 12 ـ المسؤولية الوطنية: ان ما نراه من تزاحم على الوظيفة بين الطوائف في لبنان، واصرار بعض النافذين على ايلاء هذه الوظائف لمن يأتمرون بأمرهم، بحيث يصبح ولاء الموظف لموظفه وليس للمؤسسة الرسمية، لهو خروج على مفهوم الوظيفة الصحيح. وهذا دليل على انتفاء الروح الوطنية السليمة لدى النافذ ولدى الموظف، ناهيكم عن خروج هذا المفهوم على وثيقة الوفاق الوطني التي تقول بإيلاء الوظيفة من يستأهلها لما يتصف به من كفاية وتجرد واستقامة مسلك، وعفة يد. وهذه معايير لم يؤخذ بها، للأسف الشديد، الا نادرا حتى اليوم. 13 ـ روح الطائفية: ان روح الطائفية، بدلا من أن تتراجع، نراها تنتشر وتتأصل، وهذا مدعاة قلق. فنرى الاحزاب عندنا طائفية في مجملها، عوض أن تكون وطنية. فاذا لكل طائفة حزبها أو تيارها، وهي تتسابق، وتتزاحم، وتتناحر. ولا حاجة الى التسمية، فهي معروفة. وكان هناك في مطلع الاستقلال كتلتان: الوطنية والدستورية، وفي كل منهما أعضاء من كل الطوائف، وكانت كلتاهما تخوضان الانتخابات النيابية على لوائح مشتركة. وكانت الروح الوطنية أعمق منها اليوم. ليتنا نعود الى هذه الروح، فيكون لنا حزبان كبيران، أو على الأكثر، ثلاثة أحزاب، أحدها صغير يرجح الكفة حيث يميل. وهذا خير وأبقى. أما الاصطفاف الطائفي، على ما يبدو لنا اليوم، فليس بدليل صحة وعافية. 4 ـ الانماء المتوازن: يضيم اللبنانيين أن يروا المدن عندهم تكتظ بالسكان، فيما القرى تفرغ من سكانها. وكان على الدولة أن تعير القرى اهتمامها، فتمدها بأسباب الحياة، وتؤمن لكل منها مستوصفا ومدرسة ومعملا أو مصنعا أو محترفا يمكن أفراد العائلة من أن يكتسبوا رزقهم بطريقة شريفة، والمحافظة على صحتهم الجسدية والروحية، وخصوصا على دينهم، وأخلاقهم، وعاداتهم، وتقاليدهم السليمة. 15 ـ خوف البلبلة: ان هذه البلبلة التي نشهدها في صفوف المواطنين، وانتظار نتائج التحقيق الدولي في مقتل الشهيد الرئيس رفيق الحريري ورفاقه، الذي يبعث على الخوف، وعجز الدولة عن اكتشاف أي فاعل لهذه التفجيرات التي تتوالى منذ زمن بعيد، بين الحين والحين، وتودي بحياة بعض من أهل السياسة والفكر، وتنشر الذعر في كل مكان، ان كل هذا من شأنه أن يزعزع ثقة المواطنين بدولتهم وبنفوسهم. لذلك يجب أن تحزم الدولة أمرها وتؤكد الحكومة تضامن أعضائها لتتمكن من اشاعة روح الطمأنية في نفوس المواطنين. غير أن ما توصل اليه التحقيق الدولي اخيرا من معلومات أرست الشبهة على بعض المتهمين ممن كانوا يتولون السهر على أمن المواطنين، لهو حقا مخجل ومخزٍ، في وقت معا، ما جعل مقام الرئاسة الاولى عرضة لانتقادات كثيرة تطال ما يجب أن يكون لها من هالة احترام ووقار. ونأمل أن يلقى هذا الأمر الحل المنشود الذي يزيل كل ابهام. 16 ـ لبنان المنتشر: ان لبنان يحتل بين الدول، منذ أن كان، وخصوصا منذ حصوله على استقلاله، منزلة محترمة، بفضل أبنائه المقيمين والمنتشرين في العالم أجمع، والذين توالوا على تحمل مسؤولية الحكم فيه. وخير ما يقدم عليه من أعمال ربط اللبنانيين المنتشرين بوطنهم الأصيل لبنان، عن طريق تسهيل السبيل عليهم لتسجيل أبنائهم في وطنهم الأول، ومنحهم حق الاشتراك في الانتخابات النيابية، على ما تفعل سائر الدول التي لها مغتربون، وترغيبهم في الاستثمار في وطنهم الأول لبنان، وهم ثروته، ووجهه المشرق، وخير المدافعين عن كيانه، وتراثه، وتاريخه الحضاري. فعسى أن يفعل المسؤولون اللبنانيون، ويتم المقيمون رغبة المغتربين، وهي رغبة مشروعة، ومفيدة، ومجدية للجميع. هذا ما رأيناه آملين أن ينير الله عقول اللبنانيين في هذه الفترة الصعبة لا بل المأساوية من تاريخ وطنهم ، ويلهمهم ما فيه خلاصهم وخلاص لبنان". |