[ Accueil ] [ A propos de moi ] [ TARATILES ] [ AlMonologue.com ] [ Events ] [ Livre d'or ] [ Contact ] [ Liens ] [ Plan du site ] [ DownLoad ]
 
 

 

Donkey or Einstein?(13/09/2005) حمار او انشتاين؟

  32kps

128kps

Crée le 5 Sept 2005

Enregistrée le 11 Sept 2005

Difusée le 13 Sept 2005

مكاري: اينشتاين النظام الأمني كان حماراً

المستقبل - الاثنين 5 أيلول 2005 - العدد 2030 - الصفحة الأولى - صفحة 1

علّق نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري على التطورات الاخيرة على صعيد التحقيقات القضائية محلياً ودولياً، فرأى ان "التطور البارز في التحقيق اثبت ان رئيس النظام الامني بات وحيداً يلفه الفراغ".
واضاف ساخراً ان "اينشتاين النظام الامني اثبت انه كان حماراً (..)".

 
20-09-05 15:08

دخل الحارس



الى روح سمير قصير

 

دخل الحارس صباحاً لتنظيف الزنزانة. تراءى له أن السجين لا يزال نائماً. اقترب منه بخفر شديد، هو الذي لطالما كان بإمرة وهرته العابسة. تفحّصه بعينين قلقتين، وتراجع عنه مسرعاً عندما وجده مستيقظاً، شارداً، شاحباً، وأمامه الأوراق التي كان طلبها، وقد بدأ بتسويدها بخطٍ ضعيف، متردد وغير سوي. سحب الحارس الأوراق، كمن يغنم طريدة، وانسلّ خارجاً وبدأ القراءة:

ماذا أفعل هنا؟

لم أصدّق ما انتهيتُ إليه إلا عندما صفق السجّان باب الزنزانة، ليترك وراءه لواءً مدجّجاً بالنجوم، متاخماً لها كان، لكنه الآن قابع في القاع، وحيداً غير قادر على فهم ما يحصل.

جلستُ على السرير الخشبي الحقير، الأثاث الوحيد في الغرفة (أفضّل هذه التسمية)، وقد غارت نظراتي بعيداً الى ساعات وساعات خلت.

 

حاولتُ استجماع نجومي ونجوميتي التي تبعثرت على أرض زنزانة أعرف طريقها جيداً، أعرف بابها وبرودة قضبانها، أعرف فضاءها ولا تزال صرخات نزلائها تتردد في أذنيّ بوضوح.

 

زنزانة حتى لأستطيع ادعاء ملكيتها (الفكرية أيضاً). استخدمتها طويلاً سلاحاً وعقاباً وأحياناً قبراً فكانت والحق يقال شريكاً مخلصاً وشاهداً صادقاً على طموحٍ رويته غرسةً غرسة.

 

لكن ماذا أفعل هنا هذه المرة؟

كيف استطاعت هذه القضبان التمرّد على سيّدها وحجزه خلفها؟ كيف بجحودٍ لا سابق له تبتلع هيبة كانت هي نفسها جزءاً منها؟ كيف لها أن تنال من صانع الزعامات ومزيل الزعامات فترميه وراءها كمذنب قرّر في لحظة توبة وجدانية أن يرمي تاريخه وراء ظهره

ويمضي الى مستقبله؟

 

وهل يكون للقضبان مستقبلٌ غير ما كان؟

ليس في الأمر خيال علمي ولا خيال أدبي، إنها الحقيقة! لا، لن أستعمل هذه الكلمة الملعونة. دعني أقل انه الواقع. وأي واقعٍ لئيمٍ هذا الذي في غفلة من الزمن قلب الدنيا على رؤوسنا.

 

لست متأكداً بعد مما يحصل، وهذا أشدّ ما يؤلمني. لقد بنيت هالتي بآلاف التقارير وأوراق الاستدعاء ومذكّرات الجلب والتوقيف، بمئات الملفات وأغلبها ضمّ نتاجاً خالصاً لخيالٍ عبقري شهد له جميع العارفين. لكني الآن أرتجف من عجزي عن التوقّع والاستقراء. يزيد من حنقي ضيق المكان وتفاهته وبرودته في عزّ شهر آب! كي لا أذكر أيضاً نظرات الحرّاس المليئة نشوة داخلية وشماتة واحتقاراً.

 

لا بدّ أني أواجه مأزقاً حقيقياً. أدركتُ فداحة الأمر مذ وقف رجل الأمن الغريب فوق رأسي، محاولاً إفهامي ضرورة مرافقته.

 

كانت الرابعة أو الخامسة صباحاً، تحسستُ المكان بعينين شبه مغمضتين: إنها غرفة نومي الرهيفة الهادئة (حتى دقائق خلت)، وها أنا في ثياب النوم أتقلّب في فراشي الهانئ. كل شيء على ما هو عليه، ما عدا... كل شيء.

 

رجال أمن من مختلف الرتب والألوان انتصبوا أمامي وخلفي وفوقي وتحتي. يقلّبون بهدوء شديد وبرودة شديدة كل دنياي. يستأصلون ما يريدون، تماماً كجرّاح عتيق يعالج بمبضعه وملقطه ورماً دقيقاً . لم أجد بينهم، بنظرة سريعة، أحداً من رجالي. من هم هؤلاء اذاً؟!

أغمضتُ عينيّ، لعله كابوسٌ لعين. حتى تمنيّتُ أن يكون كابوساً وأن يستمرّ ويستمرّ. نعم يا ليته يستمر كابوساً لعيناً ولا يكون الواقع.

 

حضرة اللواء، في حوزتنا مذكرة جلب في حقك، عليك مرافقتنا فوراً. قالها الرجل الغريب بتهذيب أقرب الى صلافة موصوفة.

 

لكن من المؤكد أن هناك خطأ ما ، لا أعرف كيف وجدت هذه العبارة الشهيرة طريقها سريعاً الى ذهني. هي التي لطالما أضحكتني طويلاً عندما كانت تتردّد على ألسنة الموقوفين أمامي. هم، بغض النظر عن سبب توقيفهم، إما مظلومون وإما مدعومون أو مجانين. الآن وقد انقلبت الأدوار، عليّ أن أضيف الى لائحة الموقوفين آنفاً، المغرورين أيضاً. فالغرور صفة محبّبة الى نفسي. لطالما وجدتُ رابطاً بينها وبين الذكاء. كنتُ أسَرّ عندما أسمعها تطلق كنقيصة لديّ، فتزيدني غروراً وتزيدني... ذكاء!

 

ولكن لا يمكنني مرافقتكم هكذا كما تريدون. لديّ ترتيباتي الخاصة. مرافقيّ وسياراتي المصفحة ومواكبي. لديّ شرفي العسكري الذي لا يتنقّل بهذه البساطة على الطرق. حدّدوا لي الجهة المقصودة وسأتبعكم بوسائلي ولن أتأخر. أعدكم.  بالله عليكم هل نسيتم من أكون؟ كيف تتجرأون؟!

 

سيدي، يبدو أن الأمر قد اختلط عليك. ليس من مرافقين بعد اليوم. لا حرّاس، لا مواكب ولا بهوَرات. فقط أحمل لك أصفاداً وأحملك الى التحقيق.

 

طبعاً، كان الردّ حاسماً وكافياً لإفهامي أنهم لن يتوانوا، اذا ما اضطروا، الى سوقي بثياب النوم.

 

حسناً، أمرٌ آخر. تعلمون جيداً أيها السادة مكانتي ومركزي طوال السنوات الماضية. فلنعتبر مثلا أمام وسائل الإعلام هذا الجلب مجرّد اصطحاب . ففي عملنا الاحترافي غالباً ما يكون الشكل أكثر مضموناً من الفعل.

 

سندرس هذا الأمر، لكن لن نعدك بشيء.

 

تأكدتُ من نيَّاتهم ومن أسوأ ظنوني. أيقنتُ أني قد وقعتُ بالفعل في المصيدة. وفي لحظات انهارت أمامي مملكة الخوف التي بنيتُها حجراً حجرا.

 

عملٌ دؤوبٌ استهلك مئات الملفات والدسائس والمؤامرات، مئات الاعتقالات والتعذيبات، مئات التصفيات، مئات أشرطة التنصّت والابتزازات، لأقع في النهاية في قبضة محقّق أوهمته بروايتي وأوهمني هو ببراعة يجب أن أعترف - تصديقه لها!

 

ولماذا لن يصدّقها؟ ألستُ أبرع اللاعبين؟!

 

تعالوا أستعرض مملكتي منذ المدماك الأول في سيدة النجاة وتفوّقي على قائد القوات، وزجّه في معمعةٍ لن تنتهي من الملفات التي سهرتُ على تدبيجها ورقةً ورقة. وكررتُ بعدها سبحة طبقة سياسية حمقاء، لن تدوم أمامي طويلا. إنتخاباتٌ داروينية قضت على الضعفاء، وها هي سلالة جديدة استنبتُها، نواباً ووزراء وزعماء أحياء، وسياسيين ووسائل إعلام وإعلاميين، وصحافة وصحافيين (ما أجملهم!)، نقابات ونقابيين (أجمل وأجمل!) ومصرفيين وتجارا ومزارعين، وصيارفة ورجال دين. جميع هؤلاء يدينون لسيِّد واحد، هو سيِّد المملكة والمرحلة المرهوب والموهوب.

 

سيِد؟! لا أصدّق نهايته ولن يصدّقها رؤساء المسار والمصير. هل خيّبتُ ظنونهم؟ من المعتوه الذي اعتقد يوماً بتفوقه على اينشتاين؟!

 

لكن غداً بماذا ستردّ موظفة الهاتف في قصري على السائلين؟ بالتأكيد لن تقول بعد اليوم، كما أمرتُها، نعم معكم قصر اللواء... !

 

كنتُ، في وقت من الأوقات، على قاب قوسين أو أدنى من أحد قصور الحمقى. وعندما ابتعد، كان لا بدّ من قصرٍ يليق بمهندس السياسة اللبنانية ورجل العلاقات اللبنانية - السورية المميَّز.

 

تتسارع فجأة ضربات قلبي مع تسارع مرور شريط من الصور الغريبة أمام ناظري. أحصر ذهني تماماً لأتخلّص من هذا الشريط المرعب الذي أحسسته شيئاً فشيئاً يلتف حول عنقي ويقبض على أنفاسي.

 

شريط من الصور الغريبة شرع بانتقامه الغريب. دكّ مملكتي وجهازي الأمني وساقني مكبَّلاً الى الفضيحة، وها هو الآن يعطّل جهازي التنفسي!

 

صرختُ بما تبقى لديّ من صوت، ولكن لم يستجب أحد. على الأرجح لم تخترق صرختي جدران صدري. ولم أستطع وقف سيل الصور التي غمرتني بلا رحمة. حتى أن أصواتاً بدأت تصدر عنها، وتتصاعد من دون توقف مسيطرةً على حواسي بالكامل.

 

صورٌ، أستطيع الاعتراف الآن، وقد بدأتُ استعيد أنفاسي، أنها لم تكن غريبة بل كانت لأشخاص وأماكن وتسجيلات أعرفها جيداً. كانت صوراً لتفجيرات واغتيالات، لضحايا بريئة وضحايا مستهدفة، لرؤساء وزعماء أزحتهم ولعبت بمصائرهم، وأعدتُ صياغة حيواتهم كمن يلعب في المعجونة patte à modeler فيعجن أشخاصه، يطوّلها، يقصّرها، ينفخ صدورها أو يعبث بركابها، ويقطع رؤوسها.

 

صورٌ لغرفٍ سوداء ووجوه سوداء وصناديق سوداء. لأناس خسروا وظائفهم وآخرين طوردوا وطُردوا خارج البلاد. لمسؤولين كبار لم يصمدوا أبداً في وجهي. منهم من صام عن الكلام واعتذر، ومنهم من اشتكى فصار هو الشكوى. وبقيتُ أنا العين والأذن والدلال كله.

 

فالأخوة في المسار مولعون بالفيزياء ويقدّرون جيداً اينشتاين. هم لديهم عباقرتهم  أيضاً وأكنّ لهم كل الولاء

 

هل من العدل محاسبة رجل أفنى عمره في بناء نظام أمني قوي إذا نجح؟! ألم يكن قدر الكبار وصفهم بالمستبدّين؟ الاستبداد نسبي، فقط عليك تغيير المكان الذي تنظر إليه منه. فهؤلاء المستبدّون بنوا العالم، هتلر وموسوليني وستالين وفرنكو وبينوشيه. قائمة لا تنتهي، أدوارها لا تزال ملتبسة. الأكثر التباساً روبسبيير، ثورة العدالة والمساواة الفرنسية التي يتغنى بها بعض الموتورين. كل الأوطان في حاجة للاستبداد، وأنا لم أفعل سوى التقيّد بالقاعدة. قد أكون ذهبتُ بعيداً، إنه قدَري. اللبنانيون صنفٌ عصي على الإخضاع. كان لا بدّ من مطاردة الأمل في نفوسهم، من قطع ألسنتهم، من غسل أدمغتهم بمئات نشرات الأخبار وأعمدة الصحف والفبركات التي جندتُ من أجلها المخبرين وزرعتُ الواشين والمذيعين والكتّاب وقادة الرأي . ذلك كله خدمةً للنظام العام.

 

الوقت تأخر عن منتصف الليل ولا تزال الوجوه ترتسم أمامي بالوتيرة نفسها والقسوة نفسها. منطقة السان جورج تحفر في قاع كل الصور المتدافعة كالخناجر في وجهي. الى جانب مناطق كثيرة أخرى تظهر فجأة، بعضها يعيدني الى أيام وأشهر مضت، والبعض الآخر الى سنوات وسنوات.

 

من أيقظها ليمنعني من النوم؟  من أيقظ ذاك الوجه الباسم الجميل ليطلق في وجهي قهقهته المدوّية كما دائماً؟ غريبٌ أمر هذا الرجل. طاردته الى غرفة نومه، الى عمله ومطعمه وبيوت أصحابه. منعته من السفر. أحصيتُ أنفاسه. أنسيته معنى الحياة الخاصة، وأرسلتُ إليه تهديداتي يومياً. لم يحمه رئيس الوزراء مني، ولم يتراجع! ردّ التحدي بتحدّ أكبر. أطلق ضحكته وقلمه وصار هو يطاردني. ينتظرني على المفارق، يضرب لي المواعيد وينقضّ عليّ. علّمني قراءة الجريدة أيام الجمعة لأحصي الجولات والخيبات

 

كان الأول في الساحة. كنتُ كلما رأيتُ الأعداد في تزايدٍ من حوله أدرك أنه يحضّر للضربة القاضية. كنتُ أرى في عيون المنتفضين، جميعهم، أحلاما وأوهاما وآمالا، لكن في عينيه كنتُ أرى تصميماً شخصياً على القضاء عليّ.

 

كتب وكتب وكتب. في اللحظة الحاسمة رأيتُ صورتي محمولة بين الجموع الى جانب صور الأغبياء. رأيتُ أسطورتي بين أيدي الصبية والفتيان، يرقصون بها، يهزأون منها، يعيدون تشكيلها بسخرية لم تطل أي أسطورة من قبل. أدركتُ على الفور مَن بطل إنزال الآلهة عن عروشها. مَن ترى يكون غيره؟!

 

ما هذه الشجاعة الفائقة؟ هذا الرجل يفقدني صوابي! يفاجئني بقدر ما أزعجه. ولمفاجأته وقعٌ أكثر دويّا من كل مفرقعاتي.

 

كثرٌ حاولوا إزاحتي. حتى لأستطيع القول إن دولاً حاولت. مختلف أنواع الأجهزة والمخابرات، وأيضاً الدولية، أضفت إثارة مسلّية على حياتي، لكن على الدوام كانت الكلمة الأخيرة لي.

 

أما هو فلا شيء يوقفه. كان يصوّب كلماته مباشرة الى حقيقتي، وليس الى الصورة النمطية التي يصوّب عليها عادةً الآخرون. لكأنني أمامه أقف عارياً تماماً. كأنه يلاعبني الشطرنج، ويتقدّم عليّ دائماً بالخطوات مُسَرِّعاً كشّ الملك.

 

كيف لي أن أدعه ينهي اللعبة منتصراً؟!

 

خالفتُ أصول اللعبة.

 

ومع ذلك، عاد اليوم وانتصر!

 

 

[ 2005 ]

Copyright © 2004; tous droits réservés à l'auteur compositeur Charbel Abi Nader (droit au SACEM) - Site créé avec ThunderSite